محمد نواف المجلاد
ماجستير في (المناهج)

أحد أهم موازين النجاح الحضاري هو التناسب الطردي بين مكانة المعلم وجودة الناتج التربوي، وذلك يعود إلى طبيعة العملية التربوية الاجتماعية، كونها تتأثر بالعامل البشري في الدرجة الأولى. فالتراجع المخيف لمكانة المعلم على كافة مستويات المجتمع - وأهمها الطلاب - يعد من أبرز التحديات التي يجب أن تتصدر اهتمامات المعنيين بتطوير التعليم. نعلم جميعاً الوضع الرفيع للمعلم في تاريخ سائر الأمم، أما في العصر الحديث فقد أصبح مثاراً للسخرية وجالباً للضجر، فحينما نتقصى حيثيات القضية نستطيع الرد وبشكل قطعي على زيف الشعارات الواهمة بقدرتها على تحقيق مكسب حقيقي في ميدان الواقع، كيوم المعلم، والتصريحات الحقوقية المتتالية للمعلمين، وزخرفة الجدران المدرسية بالعبارات المكملة للمظهر التربوي دون أي انعكاس فعلي لصالح المعلم.
فبحكم حدود المقالة الضيقة لطرح أبعاد هذا الموضوع، فإنني سأسلط الضوء على ثلاث نقاط ذات أهمية بالغة، أولاً: دور الإعلام – السلبي - في توجيه الناشئة نحو مشاهير الفن والرياضة على وجه الخصوص، من خلال تضخيم الجوانب السطحية في حياتهم على حساب الدور المفترض أن يضطلع به ليكون شريكاً واعياً ومعيناً لمؤسسات الوطن التربوية، وذلك من خلال غرس وتعزيز الجوانب القيمية التي ينبغي أن تكون جزءا من ثقافة الطلاب لدينا تجاه معلميهم، سواء في ما يتعلق بالتعليم العام أو العالي. ثانياً: صنع الارتباط الوثيق بين المهنة والمردود المادي العائد منها، تصنيف معنوي يضع المعلم في درجة جيدة ولكنها لا تصل به إلى مستوى الامتياز الوظيفي الجاذب للشاب الطموح، إذا ما قورن بامتيازات مهن كثيرة يعلو كعبها على وظيفة معلم، أجزم بأن الاستثمار في الإنسان هو الأهم من أي استثمار معدني أو كيميائي ناضب، لذا فهو يستحق المزيد. ثالثاً: الجمود المهني في العمل التربوي، فقد تتابعت الأخبار المبشرة حول آليات متطورة تبعث على التنافس والإنتاج المميز والتباين الوظيفي المبني على جودة أداء المعلم، من أهمها رتب المعلمين، والمعايير المرنة لتحقيق رغباتهم في النقل، ورخص مزاولة المهنة، وغيرها الكثير. ولكن للأسف فإن المتابع المنصف لهذه الأنباء يشعر بالإحباط حينما يأتي العام تلو الآخر دون أن يتحقق منها شيء، كما سيشعر بالأسى لعدم وجود مبادرة حقيقية يكون المعلم فيها أحد أضلاع التطوير، فهو الأكثر إدراكاً للواقع والأجدر بتغييره نحو الأفضل.